مقال بحثي
بعنوان
الأثر النسبي لإتفاق التحكيم موضوعاً وأشخاصاً
في ضوء التشريع البحريني
إعداد
د.محمد أحمد الشهير
محكم ممارس
مقيد بقوائم مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي
عضو الإتحاد العربي لحماية الملكية الفكرية
مملكة البحرين ، 2021
ملخص البحث
تناول هذا البحث موضوع "نسبية أثر إتفاق التحكيم" من حيث بيان المقصود بأطراف إتفاق التحكيم، وتحديد الدائرة التي يظلها إتفاق التحكيم، مروراً بتأثير إتفاق التحكيم على الغير ممن لم يكونواً طرفاً فيه.
وقد تطرقنا في هذا البحث إلى بحث نسبية إتفاق التحكيم من حيث موضوعه أيضاً، لكون مسألة النسبية الموضوعية لإتفاق التحكيم هي مسألة غير مطروقة بصورة مباشرة، و إنما تتناثر عناصرها بين دفات الكتب الشارحة للتحكيم، حيث ثم بيان المقصود بالنسبية الموضوعية لإتفاق التحكيم من حيث الأساس العقدي للعملية التحكيمية من جهة، وبيان قواعد التفسير التي تحدد نطاق إتفاق التحكيم ومدى تأثيره على الغير من جهة أخرى.
وحتى يكون الحديث عن نسبية أثر الإتفاق كاملاً فقد قمنا بالتعرض للجانب الإجرائي لهذه النسبية والذي يتمثل في أحوال التدخل والإدخال في الخصومة التحكيمية، بإعتبار أن هذه الإجراءات تعتبر الصورة العملية لتطبيقات نسبية أثر إتفاق التحكيم، ولم يفتنا في هذا البحث أن نستشهد بقضاء المحكمة العليا بمملكة البحرين ـ محكمة التمييز ـ والإستشارات والأحكام الصادرة عن المراكز التحكيمية الدولية الدائمة.
وقد ختمنا هذا البحث بجملة من التوصيات والنتائج دعونا فيها إلى إقتداء المشرع البحريني بنظرائه من المشرعين الخليجيين في وضع نص منظم للتدخل والإدخال في الخصومة التحكيمية، وكذلك وضع نص فيصل بين تعريف التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي.
Abstract
This research discussed the subject of "Relativity of the Impact of the Arbitration Agreement in terms of pointing out what is meant by the parties to the arbitration agreement, going through the impact of the arbitration agreement on third parties who were not a party to it.
In this research, we discussed the relativity of the arbitration agreement in terms of its subject matter as well, because the issue of the substantive relativity of the arbitration agreement wasn't directly discussed, however its elements are scattered among the books that explain arbitration, then, clarifying what is meant by the substantive relativity of the arbitration agreement in terms of the contractual basis of the arbitration process on the one hand, and the interpretation rules that define the scope of the arbitration agreement and the extent of its impact on third parties on the other hand.
In order to talk about the relativity impact of the agreement in full, we have dealt with the procedural aspect of this relativity, which is represented in the conditions of adjoining and intervention into the arbitration litigation, considering that these procedures are practical process of the relativity applications of the impact of the arbitration agreement, and it is not too late in this research to cite the jurisdiction of the Supreme Court in the Kingdom of Bahrain - the Court of Cassation and the consultations and judgments issued by the permanent international arbitration centers.
At the end of this research, we concluded a set of recommendations and results in which we called for the Bahraini legislator to follow his counterparts from the Gulf legislators in developing a provision regulates the adjoining and intervention into the arbitration litigation as well as stating a provision distinguishes between Ad- Hoc Arbitration and institutional arbitration.
نسبية أثر إتفاق التحكيم
في ضوء القانون البحريني
( أ ) مقدمة:
التحكيم هو نظام قانوني() قوامه إختيار الشخصين المتحاكمين شخصاً غير قاض للحكم بينهما فيما تنازعا فيه()، والتحكيم له أصل شرعي ثابت في الكتاب() والسنة النبوية المكرمة().
ويعرف عقد التحكيم بأنه إتفاق() بين أطرافه على الإلتجاء إلى محكم أو هيئة تحكيم لحسم نزاع قد ينشأ بينهم، أو يكون قد نشأ بالفعل، على أن يكون القرار الصادر في التحكيم نهائياً وقاطعاً للخصومة()، وهو عقد ذو طبيعة مزوجة، فمن حيث الموضوع يخضع هذا الإتفاق لقواعد القانون المدني العامة في شان العقود، ومن حيث الإجراءات فإنه يخضع للقوانين الإجرائية مثال قانون المرافعات، مع الأخذ في الحسبان ما يقرره قانون التحكيم في هذا الشأن أو ذاك.
وبلا ريب، يمكن إعتبارعقد التحكيم من العقود المسماة() بعد أن خصه المشرع البحريني بقواعد قانونية مقننة له ونظمه بموجب قانون مستقل بالإضافة إلى القواعد الأساسية الواردة في النظرية العامة للعقود.
كذلك فإن عقد التحكيم هو عقد رضائي في ظاهره() إلا أنه لا يخلو من الناحية الإجرائية()، فضلاً عن كون الكتابة شرطاً لوجوده() فلا يصح إتفاق التحكيم إلا إذا صدر مكتوباً عن إيجاب وقبول()صادرين من ذي أهلية() وخاليين من العيوب()، وكان واقعاً على محل قانوني و ذو سبب مشروع.
فإذا ما توافقت إرادة الأطراف الصحيحة غير الخالية من العيوب وإكتملت أهليتهم على إنشاء إلتزام بالإلتجاء إلى التحكيم، إنعقد العقد فوراً، وأنتج هذا الإتفاق أثره القانوني في التحلل من سلطان القضاء الوطني والخضوع لولاية القواعد التحكيمية المتفق عليها().
وإذا ما نشأ إتفاق التحكيم صحيحاً فإنه يكتسب قوته الملزمة، ويجب على أطرافه التقيد به، وهو ما يعرف إصطلاحاً بمسمى "نسبية أثر العقد"() وقد يتبادر إلى الذهن أن أطراف الإتفاق الملتزمون به، هم المتعاقدين الذين وقعاه، إلا أن مصطلح "المتعاقدين" يشمل دائرة أوسع من ذلك وهي "الخلف العام" والخلف الخاص"().
(ب) مصطلحات البحث:
العقد: اتفاق يتم بإيجاب وقبول بقصد إحداث أثر قانوني معين
الأثر النسبي للعقد: إنصراف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام والخلف الخاص والغير من الأطراف.
التحكيم: وسيلة من وسائل حل النزاعات البديلة عن القضاء، ويتم الإتفاق فيعا على تعيين محكم أو أكثر للفصل في النزاع بقرار ملزم لأطراف التحكيم.
إتفاق التحكيم: الإتفاق الذي يلتزم أطراف بموجبه بإحالة نزاعهم إلى وسيلة التحكيم
نطاق العقد: ما يرد فيه من شروط وما يسري عليه من احكام القانون، وما يعتبر من مستلزماته وفقا لما تجري عليه العادة وما تمليه العدالة، ومع مراعاة طبيعة التعامل وما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل.
تفسير العقد: إستخلاص النية المشتركة للمتعاقدين بما لا يخالف عباراته الواضحة
الخلف العام: هو من يخلف سلفه في جميع أمواله بما يتعلق بها من حقوق و إلتزمات
الخلف الخاص: هو من يخلف سلفه في مال معين بالذات
التدخل في الدعوى: طلب الحكم للنفس أو للغير من الخصوم بطلبات مرتبطة بالدعوى المنظورة
الإدخال في الدعوى: طلب أحد اطراف الخصومة إختصام شخص لم يكن ممثلاً فيها عند رفع الدعوى
(جـ) مشكلة البحث:
في بعض من دعاوى التحكيم يدفع المحتكم ضده بعدم قبول الدعوى في مواجهته لكونه خلفاً خاصاً لمن أبرم إتفاق التحكيم، وبأنه لا يعلم بوجود هذا الإتفاق، كما يمكن أن يدفع المحتكم ضده بكونه من الغير الذين لا يسري عليهم إتفاق التحكيم.
وتثور هذه المشكلات العملية في حالة ما إذا كان موضوع النزاع متعلقاً بمال ـ عقاراً كان أو منقول ـ انتقل حق التصرف فيه من أحد أطراف إتفاق التحكيم إلى الغير، أو أن تكون العلاقة القانونية بين هذا الغير وبين طرف إتفاق التحكيم علاقة مغايرة للعلاقة القائمة بين أطراف إتفاق التحكيم ذاتهم.
وتكون هيئة التحكيم في هذه الحالة أمام مسألة أولية لا بد من الفصل فيها قبل نظر موضوع النزاع ذاته، وهي مسألة صفة الخصوم في دعوى التحكيم، بما يشمل كذلك الفصل في صحة طلبات الإدخال والتدخل في المنازعة المنظورة، وهو ما يثير مسألة نسبية أثر إتفاق التحكيم ومدى شموله للغير ممن لم يبرموا هذا الإتفاق أو لم يرتضوا به بعد ذلك.
( د ) أهمية البحث:
بالرغم من تواتر المشكلات الناتجة عن نسبية أثر إتفاق التحكيم، وتصدي عديد من هيئات التحكيم المؤسسية لإصدار أحكام في هذا الشأن، إلا أن الموضوع لم يأخذ حقه من الدراسة التأصيلية التي تعين المحكم البحريني على الإطمئنان لسلامة إستخلاصه لإمتداد أثر إتفاق التحكيم إلى الغير، أو لما عسى أن يصدره من قرار في شأن قبول أو رفض تدخل أو إدخال خصوم جدد في الدعوى التحكيمية.
وعلى مدار البحث في هذه المسألة، صادفني مقال بحثي متميز ناقش نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث الأشخاص()، لكنه إقتصر على بحث التدخل والإدخال، مما حدا إلى ضرورة التصدي لهذه المسألة ببحث آخر يتناول نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث الموضوع والأشخاص معاً ليكتمل سبيل الإطلاع لدى الباحث عن أصول وقواعد نسبية أثر إتفاق التحكيم.
(هـ) أهداف البحث:
1ـ التعريف بالطبيعة العقدية المؤسسة لإتفاق التحكيم
2ـ بيان نسبية ومحل الأثر الموضوعي لإتفاق التحكيم
3ـ مدى إمتداد شرط التحكيم لغير المتعاقدين من الخلف الخاص والغير
4ـ مدى جواز التدخل والإدخال في الدعوى التحكيمية
( و ) منهج ونطاق البحث:
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي في وصف المشكلات المرتبطة بالأثتر النسبي لإتفاق التحكيم و طرح حلول لهذه المشكلات بعد تحليل السمات المميزة لهذه المشكلات في ضوء التشريع البحريني.
( ز ) خطة البحث:
المبحث الأول: نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث موضوعه
المطلب الأول: الأساس العقدي لإتفاق التحكيم
المطلب الثاني: تأثر الأثر النسبي لإتفاق التحكيم بقواعد التفسير
المبحث الثاني: نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث أشخاصه
المطلب الأول: أثر إتفاق التحكيم على الخلف وعلى الغير
المطلب الثاني: الإدخال والتدخل في دعوى التحكيم
المبحث الأول
نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث موضوعه
يعرف إتفاق التحكيم بأنه عقد يوافق بمقتضاه طرفيه على الإلتجاء إلى التحكيم للفصل في كل أو بعض المنازعات التي تثور بينهما، سواء كانت هذه المنازعات محتملة الحدوث في المستقبل "شرط تحكيم"، أو كانت متحققة الوقوع بالفعل "مشارطة تحكيم"()، وسواء كان سبب النزاع علاقة عقدية أم غير ذلك.
فلا يتصور قيام منازعة تحكيمة بغير وجود إتفاق على الإلتجاء إلى التحكيم، سواء كان هذا الإتفاق وارداً في صورة شرط بالعقد الاصلي، أو في صورة مشارطة لاحقة على نشأة النزاع، أو في صورة مكاتبات ومراسلات بين طرفي الإتفاق، أو حتى في حالة ورود الإتفاق ضمنياً بإرتضاء طرفي التحكيم على الخضوع لولاية المحكم وتبادلهما المذكرات الدفاعية خلال الدعوى التحكيمية()، ويعتبر الإتفاق الصحيح على الإحالة إلى التحكيم ذو قوة ملزمة لمن عقدها، ويجب عليه أن ينفذ ما إلتزم به الإتفاق المبرم، بحيث تصير هذه القوة الملزمة سارية على أشخاص العقد من ناحية، وموضوعه من ناحية أخرى.
ومن خلال هذين المحلين الذين تسري عليهما قوة العقد، تظهر الأصول المحددة لنسبية الأثر الموضوعي لإتفاق التحكيم، وهو ما نتناوله في مطلبين أتيين:
المطلب الأول: الأساس العقدي لإتفاق التحكيم
المطلب الثاني: تأثر الأثر النسبي إتفاق التحكيم بقواعد التفسير
المطلب الأول
الأساس العقدي لإتفاق التحكيم
يرد إتفاق التحكيم في صورة شرط أو مشارطة، ويختلف كل من شرط التحكيم ومشارطة التحكيم عن الآخر، فشرط التحكيم الوارد بالعقد الأصلي يكون مختصراً لا يتضمن تفاصيل النزاع الذي لم ينشأ بعد، فهو يعالج نزاعاً مستقبلياً قد يحدث وقد لا يحدث، ولا يعطي أهمية كبيرة لأحكام العقد الأصلي الذي يرد به، أما المشارطة فهي العقد اللاحق على وقوع النزاع، وتبطل إذا ما تم تحريرها قبل وقوعه، وهي تحتوي على الرابطة الموضوعية محل النزاع وتحديد موضوع هذا النزاع، وطريقة تشكيل هيئة التحكيم وإجراءاته والقانون واجب التطبيق، و سلطات هيئة التحكيم().
فالتحكيم هو عمل من أعمال القانون الخاص() يستند إلى وجود إتفاق مكتوب على الإحالة إلى التحكيم()، ويعتبر في مجمله نظام ذو طبيعة عقدية، وليس نظام قضائي بالمعنى الدارج، فالمحكم ليس بقاضي، وإنما هو فرد عادي يتمتع بمؤهلات وخبرات معينة تمكنه من حسم نزاع في موضوع محدد.
مما يجوز معه إعتبار الحكم التحكيمي غير مماثل للحكم القضائي الصادر من المحاكم الوطنية في مصدر إلزاميته، بل يستمد الحكم التحكيمي قوته من توافق إرادة طرفي الدعوى التحكيمية على الخضوع لولاية المحكم، واستبعاد ولاية القضاء الوطني في موضوع النزاع محدد.
كما أن عمل هيئة التحكيم يختلف في طبيعته عن عمل القاضي العام في الدولة، وهو ما يفرض ضرورة المباعدة بينهما، فعمل هيئة التحكيم يجد أساسه في عقد التحكيم ويستند إلى الإرادة التصرفية للأطراف المحتكمين()
ذلك أن إرادة الأطراف المحتكمين هي التي تحدد عدد المحكمين()، وإجراءات تعيين المحكم أو هيئة التحكيم()، وطريقة رد المحكم()، وإجراءات الدعوى التحكيمية()، ومكان ولغة التحكيم()، ومدى قابلية الحكم التحكيمي الصادر عن هيئة التحكيم للطعن فيه بالبطلان.
وحتى مدة التحكيم ذاتها، فإنها وليدة لإرادة الأطراف، ولا يتدخل المشرع لتحديد المدة إلا في حالة سكوت الأطراف عن تحديدها، حيث قررت جميع قوانين التحكيم الخليجية أنه يجب أن يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد الذي اتفق عليه الأطراف()، ورتبت على عدم الإلتزام بهذا الميعاد بطلان حكم التحكيم، مع ملاحظة أحقية الأطراف في تمديد مدة التحكيم، حيث أن من يملك الأصل يملك الفرع، مع ملاحظة أن مدة التحكيم ليست من القواعد الآمرة، إذ يجوز الإتفاق على مخالفتها()، مما يستفاد منه غلبة الطبيعة العقدية لنظام التحكيم على إجراءاته.
وحتى مع حيازة حكم التحكيم للقوة التنفيذية وصيرورته حاملاً لقوة الأمر المقضي به، فإن ذلك لا يجعل منه عملاً قضائياً() بالمعنى الدقيق، لأن مصير حكم التحكيم من حيث صحته أو بطلانه، يرتبط بالأساس بإتفاق التحكيم الذي نشأت ولاية المحكم بسببه، ويدور مع هذا الإتفاق وجوداً وعدماً.
وبما أن القرارات التي يصدرها المحكم ليست قرارات قضائية ـ سواء كانت قرارات تمهيدية أو قرار قطعي في الخصومة ـ فإنها تستمد قوتها التنفيذية من إقرار السلطة القضائية الوطنية لها وإصدارها أمراً قضائياً رسمياً بتنفيذها()، بعد إستيفاء الشروط القانونية والتحقق من عدم وجود ما يمنع من تنفيذ هذه القرارات، وبدون صدور أمر التنفيذ من القضاء الوطني، فإن حكم التحكيم لا يحوز حجية السندات التنفيذية() الرسمية واجبة التنفيذ، ولا يتمتعبذات الحجية التي تلحق بالحكم القضائي().
كذلك فإن حكم التحكيم ذاته، لا ينفصل عن إتفاق التحكيم الذي نشات بمقتضاه ولاية المحكم، فإتفاق التحكيم هو قاعدة الهرم للنظام التحكيمي، بينما يعد حكم التحكيم هو قمة هذا الهرم، فيمكن القول بأن الحكم التحكيمي ليس سوى الغاية التي يبتغيها إتفاق التحكيم، ومن ثم فإن حكم التحكيم هو عنصر تابع لإتفاق التحكيم()، لأن إتفاق التحكيم هو المصدر الذي تخرج منه كافة عناصر العملية التحكيمية، وهو السبب في عدم تدخل القضاء الوطني في المنازعة الصادر فيها الحكم التحكيمي، ومن ثم فإن الطبيعة العقدية لنظام التحكيم لا بد أن تنسحب على الحكم التحكيمي، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من إتفاق التحكيم.
فالإتفاق على التحكيم لا تقتصر أهميته على إيجاد العملية التحكيمية، وإنما يمتد أثر الإتفاق إلى كافة نواحي التحكيم، مهيمناً على نظامه القانوني أشخاصاً وموضوعاً وإجراءاً.
المطلب الثاني
تأثر الأثر النسبي إتفاق التحكيم بقواعد التفسير
يمتلك إتفاق التحكيم أثراً نسبياً من حيث موضوعه (الإلتجاء إلى طريق التحكيم لحسم نزاع معين)، ولا تثور صعوبة إذا كان موضوع العقد واضح، بأن كان محله المزدوج يبين بطريقة لا تدع مجالاً للشك من القائم بالتحكيم، وما هي القواعد المطبقة على التحكيم، وما هو النزاع الذي يلتجأ الأطراف إلى التحكيم لحسمه.
لكن عند إمتناع أحد أطراف إتفاق التحكيم عن الإلتجاء إلى هذا الطريق، وإقامة الطرف المتضرر دعوى تعيين محكم، قد يرى القاضي أن الإتفاق بحاجة إلى تفسير لتحديد أثره الموضوعي()، وفي هذه الحالة، فإن القاضي يلتزم في تفسيره بالقواعد العامة لتفسير العقود()، وهو يلجأ في ذلك إلى الوسائل المادية دون غيرها لإستخلاص إرادة المتعاقدين الذاتية، سواء أكان هناك محل لتفسير العقد أم لا().
ولما في تفسير إتفاق التحكيم من خطورة ونتائج قد يتعذر تداركها، بما في ذلك الأثر المنتج للإتفاق ذاته، فإن القانون ألزم قاضي الموضوع والمحكم على حد سواء بثلاث من قواعد التفسير نوجزها فيما يلي:
القاعدة الأولى: عدم جواز الإنحراف عن عبارات العقد عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة العاقدين، لما في ذلك من مخالفة القانون فيما نصت عليه المادة 125/أ من القانون المدني.
القاعدة الثانية: الإلتزام بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ، وذلك لأن العبرة بالإرادة الحقيقية لأطراف الإتفاق().
القاعدة الثالثة: تفسير الشك في مصلحة المدين، ونطاق هذه القاعدة يتحدد بأن يكون تفسير العقد غير مستحيل، وأن يتراوح تفسير العقد بين وجوه متعددة إذا ما كان يوجد مجال للتفسير من الأساس، أما إذا تبين للقاضي إستحالة تفسير العقد بأي معنى من المعاني، فإنه لا يكون هناك عقد ولا تطابق إرادتين، ولا يكون هناك بالتالي مجال لأي تفسير().
وفي تطبيق هذه القواعد الثلاث يجب على القاضي أو المحكم عند إستخلاصه إرادة أطراف إتفاق التحكيم من الواقع الذي ثبت عنده، أن يدلل على وجود المصدر الذي إستمد منه هذا الواقع، وأن يكون إستخلاصه غير مناقض للثابت في الدعوى المنظورة، وأن تؤدي المصادر التي إعتمد عليها عقلاً ومنطقاً إلى إستخلاص ما ثبت لديه من واقع().
وبالإضافة إلى ما سبق من قواعد عامة، فإن القاضي والمحكم يلتزما بقاعدتين آخرتين لتفسير إتفاق التحكيم، وتنص القاعدة الأولى على وجوب إعمال مبدأ "الأثر المفيد"، ويتم تطبيق هذا المبدأ إذا ظهر معنيان لإتفاق التحكيم، فيؤخذ بالمعنى الذي يرتب أثراً قانونياً، وترك المعنى الآخر الذي لا يرتب أي أثر، أما القاعدة الثانية فتنص على تفسير العقد ضد الطرف الذي كتب الإتفاق بصورة غامضة، وهذا المبدأ راجع إلى مبدأ أعلى هو "معاقبة سيء النية بنقيض قصده" وذلك حتى لا يتخذ الطرف سيء النية من غموض الإتفاق ذريعة للتهرب من الخضوع لولاية هيئة التحكيم، وحتى لا يلحق الضرر بالطرف حسن النية الذي تحققت مصلحته من الإلتجاء إلى التحكيم().
ومن أبرز المشكلات العملية التي ثارت في شأن تفسير إتفاق التحكيم، ما جاء في شأن غموض بند تحكيم ينص على حل النزاع بموجب قواعد التوفيق والتحكيم لغرفة تجارة وصناعة البحرين، في حين أنه لم يوجد قواعد بهذا المسمى. وفي إطار تفسير هذا الغموض، تصدى مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية "دار القرار" لهذا الأمر وأصدر تفسيراً من خارج شرط التحكيم مؤداه أن المقصود بشأن "قواعد التوفيق والتحكيم لغرفة تجارة وصناعة البحرين" هو لائحة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، إستناداً إلى تاريخ تحرير إتفاق التحكيم في عام 2008 السابق على إنتقال مقر مركز التحكيم التجاري من المكان المخصص له سابقاً بغرفة تجارة البحرين().
غير أن محكمة التمييز بالبحرين أصدرت حكماً بشأن تفسير ذات الشرط في نزاع مماثل ثار بمناسبة إبرام إتفاق تحكيم مؤرخ في عام 2015 إنتهت فيه إلى إعتبار الشرط دالاً على التحكيم الحر إستناداً إلى عدم وجود مركز تحكيم أو محكمون لدى غرفة تجارة وصناعة البحرين في الوقت الذي تم تحرير إتفاق التحكيم فيه().
ويبين من هذين التفسيرين أن العامل الزمني كان هو الحاسم في تحديد طبيعة التحكيم، وتفسير إرادة العاقدين عما إذا كانا قد إرتضيا التحكيم الحر أو التحكيم المؤسسي.
المبحث الثاني
نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث أشخاصه
التحكيم هو نظام ذو طبيعة مختلطة، فهو يبدأ بإتفاق موضوعي، ثم يتحول إلى مجموعة من الإجراءات المتعاقبة التي تنتهي بصدور حكم التحكيم، وهو كغيره من التصرفات تنصرف آثاره إلى طرفيه، بإعتبار ان الخصومة التحكيمية مماثلة في الخصومة القضائية بالنسبة إلى إقتصار آثارها على أطرافها()، إلا أنه عملاً بقواعد نسبية أثر التحكيم، فيجوز أن تنصرف آثار إتفاق التحكيم إلى شخص أجنبي عن العقد، بحيث يصبح بموجب هذا الأثر طرفاً من أطراف التحكيم().
كذلك، فإن من المتفق عليه أن إتفاق التحكيم هو تصرف قانوني مستقل بذاته، حتى وإن ورد في صورة شرط في العقد الأصلي، فهو عقد داخل عقد آخر يبرمه نفس أطرافه، ولا يحول إستقلال شرط التحكيم دون إنتقاله إلى الخلف تبعاً لإنتقال العقد الأصلي المتضمن لهذا الشرط.
ويترتب على إستقلال إتفاق التحكيم عدم توقف صحته على ما يشوب العقد الأصلي من بطلان أو فسخ، إلا إذا كان سبب بطلان العقد الأصلي يشمل شرط التحكيم، بأن يكون المتعاقد فاقد الأهلية().
وعلى هذا فإن الأصل هو سريان قانون العقد الأصلي على إتفاق التحكيم، إلا أن إتفاق التحكيم من حيث نسبية أثره على الأشخاص قد يختلف عن نسبية أثر العقد الأصلي الوارد به، لإنه من الجائز أن يخضع العقد الأصلي لقانون ما، وأن يخضع إتفاق التحكيم لقانون مغاير تختلف فيه الآثار النسبية للعقود.
وعلى ذلك فإننا نوجز الآثار المترتبة على نسبية أثر إتفاق التحكيم، في مطلبين نبين فيهما الأثر الموضوعي المتعلق بسريان أثر إتفاق التحكيم على الغير، وإمكانية الإدخال والتدخل في دعوى التحكيم.
المطلب الأول: أثر إتفاق التحكيم على الخلف وعلى الغير
المطلب الثاني: الإدخال والتدخل في دعوى التحكيم
المطلب الأول
أثر إتفاق التحكيم على الخلف وعلى الغير
إن التحكيم بإعتباره طريقاً استثنائياً للتقاضي، فإنه لا يحتج بإتفاق التحكيم إلا على الطرف الذي إرتضاه وقبل خصومته، ويترتب على ذلك أنه إذا كان هناك حالة تضامن بين مدينين، وأبرم أحدهم إتفاق تحكيم مع الدائن، فلا يجوز له الإحتجاج بهذا الإتفاق على بقية المدينين المتضامنين معه()، وعلى العكس من ذلك، إذا كان هناك شركاء في شركة تضامن وأبرم أحدهم إتفاقاً على التحكيم، فإن هذا الإتفاق يسري في مواجهة باقي الشركاء المتضامنين رغم أنهم ليسوا أطرافاً في الإتفاق().
فالقاعدة هي أنه لا يفيد ولايضار من التحكيم ولا يملك التمسك ببطلانه إلا أطرافه، ما لم يتصل الأمر بالنظام العام فيكون لكل خصم في الدعوى التمسك بالبطلان، كما يجب على المحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها().
كما يسري إتفاق التحكيم في مواجهة الخلف العام طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني، لأن اصطلاح المتعاقدين يشمل كل من يمثله المتعاقدان في العقد، أو خلفه العام الذي يتلقى كل حقوق ذلك المتعاقد()، إلا أنه إذا كانت العلاقة القانونية موضوع التحكيم شخصية بحتة فلا يسري إتفاق التحكيم في حق الخلف العام().
أما الخلف الخاص، فإن إتفاق التحكيم ينتقل لهم بإعتبار أن الإلتزامات الناشئة عن عقود تبادلية تنتقل من السلف إلى الخلف، لأنها مقابل للحقوق التي انتقلت إلى الخلف الخاص بموجب هذا العقد، ومن ثم يلتزم الخلف الخاص بالسير في إجراءات التحكيم ويفرض عليه الحكم الصادر من المحكم().
وقد إتجه قسم من الفقه القانوني نحو التوسع في مفهوم المتعاقد فلم يقصروه على من ساهم في إبرام العقد، وإنما بسطوه إلى كل من ساهم في تنفيذ العقد بإعتباره مستفيداً منه، ولو لم يساهم في إبرامه، وذلك بهدف توسيع دائرة المسئولية العقدية ومدها إلى كل متضرر يرتبط لأحد أطراف العقد، من خلال ما يسمى بالأسرة العقدية أو المجموع العقدي التي تحدد مفهوم المتعاقد استناداً إلى تسلسل العلاقات العقدية على محل واحد أو إجتماعها لتحقيق مصلحة مشتركة().
2ـ1ـ1 صور إمتداد إتفاق التحكيم:
توجد خمس صور يمكن أن يمتد فيها إتفاق التحكيم إلى الغير يمكن إيجازها فيما يلي:
الصورة الأولى: الإشتراط لمصلحة الغير(): حيث يترتب على هذا الإشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قبل المتعهد بتنفيذ الإشتراط، ويكون للمتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد، كما يجوز للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك()، فيمكن أن يكون الغير المشترط لصالحه طرفاً في خصومة التحكيم، كما يمكن للمشترط أن إعمال شرط التحكيم الوارد بالعقد هذا يتمكن من المطالبة بحقوق هذا الغير.
الصورة الثانية: الكفالة(): فإذا ما أبرم الدائن والمدين إتفاق تحكيم، فلا يسري في مواجهة الكفيل، وأيضاً إذا ما أبرم الدائن والكفيل إتفاقاً على التحكيم، فلا يسري في حق المدين، لأن إتفاق الكفالة مستقل عن إتفاق المديونية()، لكن إذا ما أوفى الكفيل بدين المدين، فإنه يحل محل الدائن في إتفاق التحكيم().
الصورة الثالثة: مجموعة الشركات: وتظهر هذه الصورة في حالة الشركة القابضة التي تملك الأسهم المتداولة لمجموعة شركات أخرى، بحيث يكون لديها اليد العليا في إدارة هذه الشركات التابعة، فإذا قامت إحدى هذه الشركات بإبرام إتفاق تحكيم، فإنه لا يسري في مواجهة الشركة القابضة، والعكس.
لكن إذا ما تدخلت أي من الشركتين في تنفيذ العقد الذي إبرمته الشركة الأخرى، أو تسببت في وقوع خلط بشأن الملتزم به على نحو تختلط فيه إرادتها مع إرادة الشركة الأخرى، فيجوز إختصامها في دعوى التحكيم().
الصورة الرابعة: المجموع العقدي: حيث تجتمع عدة عقود حول محل واحد، تتعاقب عليه، ويكون محلاً لكل منهما، أو حول هدف واحد يصوغ إحداها الإلتزامات المحققة له وتسهم العقود الأخرى في تنفيذ هذه الإلتزامات أو تساعد عليه أو تقدم الضمان اللازم لتمام تنفيذه()، وتقوم فكرة المجموع العقدي بمعالجة هذا الوضع بإعتبار أن الطرف في أحد عقود المجموعة ـ الذي لا يتضمن شرط التحكيم ـ بمثابة طرف في عقودها الأخرى المتضمنة لهذا الشرط()ويلاحظ أن هذه الحالة تنطبق على الشركات متعددة الجنسيات والتي تكون مجموعة إقتصادية واحدة وتنفذ عملياتها التجارية والإستثمارية في البلاد المختلفة تحت ستار الشركات الفرعية().
الصورة الخامسة: العقود المتتابعة على ذات المحل: فإذا ابرم عقدان متتابعان على محل واحد، وكان أحدهما يتضمن شرط التحكيم، فيجب التمييز بين حالتين، الحالة الأولى هي رجوع أحد طرفي العقدين على الطرف في العقد الأخر بالدعوى غير المباشرة، ويجوز هنا الإلتجاء إلى التحكيم، أما في الحالة الثانية التي يرجع فيها الدائن على مدينه بدعوى مباشرة ـ في الحالات التي يخولها له القانون ـ فيكون الدائن هنا مستعملاً حقاً خاصاً له في الدعوى مصدره نص القانون، فلا يجوز له الإلتجاء إلى التحكيم().
المطلب الثاني
الإدخال والتدخل في دعوى التحكيم
يعرف الإدخال بأنه إختصام للغير بناء على طلب أحد أطراف الخصومة أو بناء على أمر المحكمة دون طلب، ويخضع إختصام الغير إلى تقدير قاضي الموضوع من ناحية توافر الإرتباط مع الدعوى الأصلية من ناحية، وعدم تأخير الفصل في الدعوى من ناحية أخرى، ويترتب على إختصام الغير أن يصبح طرفاً في الخصومة().
بينما يعرف التدخل بانه نوع من الطلبات العارضة، يدخل به شخص في خصومة لم يكن طرفاً فيها، منضماً لأحد أطرافها أو مطالباً بحق ذاتي له()، ويشترط في قبول التدخل سواء كان إنضمامياً أو هجومياً أن يكون للمتدخل مصلحة قانونية في تدخله، كما يجب أن يتوافر شرط الإرتباط بين بين طلب التدخل وبين الدعوى الأصلية التي يريد التدخل فيها، ويترتب على قبول التدخل أن يصبح المتدخل طرفاً في الخصومة التي تدخل فيها، ويكون له حق الطعن فيها سواء كان متدخلاً هجومياً أو إنضمامياً().
ويمتاز التدخل الهجومي عن التدخل الإنضمامي بأن المتدخل الهجومي يعتبر خصماً كاملاً يتمتع بحقوق الخصم الأصلي في الدعوى، فيجوز له تعديل طلباته، كما يجوز له ترك الخصومة أو قبول تركها، فضلاً عما له من حق تسيير الخصومة وحقوق الدفاع المختلفة، بينما يعتبر المتدخل الإنضمامي خصماً تبعياً، يقتصر حقه على الحقوق الإجرائية الخاصة به فقط، ولا يجوز له تعديل طلبات الخصم الذي ينضم إليه أو تقديم طلبات مستقلة أو التنازل عن الطلبات أو قبول ترك الخصومة().
2ـ2ـ1 الإتجاهات الفقهية والقضائية حول التدخل والإدخال بالدعوى التحكيمية:
بالرجوع إلى قانون التحكيم البحريني رقم (9) لسنة 2015 فإنه سكت عن تنظيم التدخل والإدخال في الدعوى التحكيمية، وترتب على ذلك إنقسام آراء الفقه إلى رأيين:
الرأي الأول: إشتراط موافقة الخصوم على تدخل الغير، وإشتراط موافقة الخصم المدخل على إدخاله في خصومة التحكيم: ويرى أنصار هذا الرأي أن "نسبية أثر العقود" من القواعد المسلم بها، وبالتالي فإن إتفاق التحكيم لا يلزم سوى أطرافه كقاعدة عامة، وهذا ما يطلق عليه النطاق الشخصي لإتفاق التحكيم، حيث لا يمتد الإتفاق إلى أشخاص لم يرغبوا في استبعاد القضاء من نظر منازعتهم()، وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز لغير أطراف اتفاق التحكيم التدخل في المنازعة التحكيمية قبل الحصول على موافقة أطراف التحكيم، حيث لا تنطبق أحكام قانون المرافعات الخاصة بالدعاوى القضائية المنظورة بالمحاكم()
الرأي الثاني: جواز التدخل في خصومة التحكيم دون موافقة الخصوم وجواز إدخال الغير دون رغبته:
يرى أنصار هذا الرأي أن قانون المرافعات بإعتباره الشريعة العامة الإجرائية، فهو واجب التطبيق في كل ما سكت عنه قانون التحكيم، ولم يتم تنظيمه بموجب إتفاق الأطراف.
و رتب أنصار هذا الرأي على ذلك نتيجة مفادها جواز قبول التدخل والإدخال في الدعوى التحكيمية دون إشتراط موافقة أطراف الدعوى أو موافقة الخصم المدخل، طالما توافر شرطا الصفة والمصلحة().
ونرى أن هذا الرأي يؤخذ عليه مآخذين:
المأخذ الأول: أن الطبيعة الإتفاقية للتحكيم تعتبر أساساً لكل ما يتصل بهذا النظام من إجراءات، مما لا يجوز معه التغول على إرادة اطراف التحكيم وفرض طرف جديد على التحكيم في غير الحالات التي يمتد فيها إتفاق التحكيم إلى الغير.
المأخذ الثاني: أن قانون التحكيم البحريني لم يتضمن نصاً يحيل فيه إلى قواعد قانون المرافعات فيما لم يرد به نص خاص في قانون التحكيم، ومن ثم فلا يجوز لهيئة التحكيم أن تقضي بقبول تدخل الغير على خلاف الإرادة الإتفاقية لأطراف التحكيم، أو أن تامر بإدخال من لم يكن طرفاً في الإتفاق دون موافقته ().
2ـ2ـ2 هل يجوز الإدخال الصوري في الخصومة التحكيمية:
يجوز لأطراف الدعوى القضائية أن يدخلوا الغير إدخالاً صورياً لتقديم ما تحت يده من مستندات()، لكن الأمر يختلف في الخصومة التحكيمية، فالأصل أنه لا يجوز التوسع في نطاق الخصومة بخلاف ما نص عليه إتفاق التحكيم، لذلك فمن غير المقبول إدخال خصم لتقديم ما تحت يده من مستندات دون موافقة أطراف دعوى التحكيم أولاً، وموافقة الطرف المدخل ثانياً.
2ـ2ـ3 تنظيم التدخل والإدخال في التشريع البحريني والتشريعات المقارنة:
لم يرد تنظيم الإدخال والتدخل صراحة إلا في قانون المرافعات البحريني() لذلك تخضع المنازعة التحكيمية التي يختار أطرافها تطبيق القانون البحريني إلى قواعد الإدخال والتدخل في حدود الأساس العقدي لنظام التحكيم.
وجدير بالذكر أن بعض تشريعات دول مجلس التعاون، قد نظمت مسائل التدخل والإدخال ضمن قوانين التحكيم الخاصة بها، حيث نصت المادة (22) من قانون التحكيم الإماراتي على أنه "لهيئة التحكيم أن تسمح بإدخال أو تدخل طرف ثالث في خصومة التحكيم سواء بطلب أحد الأطراف أو من الطرف المتدخل شريطة أن يكون طرفاً في إتفاق التحكيم()، وبعد إعطاء جميع الأطراف بما فيهم الطرف الثالث فرصة لسماع أقوالهم"
كما نصت المادة رقم (13) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي على أنه "لهيئة التحكيم قبول تدخل طرف آخر من غير أطراف التحكيم أو إدخاله وذلك بعد موافقة أطراف التحكيم والطرف المطلوب إدخاله".
ويجدر بالمشرع البحريني أن يستمد روح هذين النصين ليعدل قانون التحكيم البحريني حسماً للجدل حول جواز التدخل والإدخال في الدعوى التحكيمية.
تم بحمد الله
الخاتمة:
من خلال هذا البحث سلطنا الضوء في إيجاز على الأثر النسبي الموضوعي والشخصي لإتفاق التحكيم، وبان من ذلك أن الأثر النسبي الموضوعي للإتفاق يترتب عليه وجوب تفسير إتفاق التحكيم وفق القواعد العامة لتفسير العقود من ناحية، والقواعد الخاصة التي تمليها الطبيعة المغايرة لإتفاق التحكيم من ناحية أخرى.
كما اتضح من خلال البحث مدى الدور الحيوي الذي تقوم به أطراف التحكيم الفاعلة في مملكة البحرين، وعلى رأسها محكمة التمييز بما ترسيه من مبادئ في تفسير إتفاق التحكيم وبيان نطاقه، بالإضافة إلى الدور الإسترشادي لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي يحمل ثقلاً علمياً حتى وإن كان تفسيره إستشارياً غير ملزماً.
كذلك فقد حاولنا على قدر المستطاع إظهار مرونة مصطلح "الغير" في إتفاق التحكيم، بحسبان أن إتفاق التحكيم يمتد إلى غير من كانوا أطرافاً فيه إذا ما توافرت الحالات القانونية التي درج القضاء على الإعتداد بها في شمول إتفاق التحكيم لهذا الغير، حيث استقر الفقه والقضاء على وجود حالات یمتد فیها اتفاق التحكیم إلى الغیر طبقاً للقواعد العامة في التعاقد.
أما فيما يخص التدخل والإدخال في الخصومة التحكيمية، فقد إنتهى البحث إلى مغايرة الدعوى التحكيمية في طبيعتها عن الدعوى القضائية، وما يستتبع ذلك من عدم جواز إدخال أو تدخل الغير ـ في غير الحالات التي يجيزها الأثر النسبي لإتفاق التحكيم ـ دون موافقة ذوي الشأن ورضائهم.
النتائج والتوصيات:
أبرز هذا البحث عدد من النتائج نوجزها فيما يلي:
1ـ أن نظام التحكيم تحكمه الطبيعة الإتفاقية كأساس لكافة إجراءاته، من بداية تحديد تشكيل الهيئة التحكيمية إنتهاءاً بصدور حكم التحكيم وهو ما يميزه عن نظم التقاضي الوطنية.
2ـ أن تصدي القضاء الوطني والتحكيمي لتفسير شرط التحكيم ينتج أثراً في غاية الأهمية وهو تحديد الأثر الموضوعي النسبي لإتفاق التحكيم.
3ـ أن مفهوم "الطرف" في إتفاق التحكيم يشمل من قاموا بتوقيعه، وخلفهم العام والخاص، والغير ممن ساهم في إبرام أو تنفيذ أو إنهاء الإتفاق.
4ـ أن التدخل والإدخال في الدعوى التحكيمية لا يتم منطقاً إلى بموافقة الأطراف المعنيين، أو ثبوت رضائهم الصريح أو الضمني على التدخل أو الإدخال.
ونوصي في هذا البحث :
أولاً: بأن يسترشد المشرع البحريني بالنصوص المنظمة للتدخل والإدخال في التشريعات الخليجية المقارنة، لحسم ما عسى أن يحدث من تضارب في الأحكام التحكيمية الصادرة وفق القانون البحريني، خاصة وأن هذا النص يمس الواقع العملي بصورة مباشرة.
ثانياً: بتضمين قانون التحكيم البحريني، نصاً يفرق بين للتحكيم الحر (Ad hoc arbitration) والتحكيم المؤسسي (Institutional)، حسماً لغموض بعض الشروط التحكيمية التي ترد في العقود المالية، ونقترح في هذا الشأن إضافة فقرة أخيرة إلى المادة الثانية من قانون التاحكيم، تكون صياغتها: "التحكيم المؤسسي" يعني كل تحكيم يشير إلى الإعتداد بمؤسسة تحكيم دائمة كمقر للتحكيم مع إتباع لوائحها.
قائمة المصادر
أولاً: الكتب:
1ـ القرآن الكريم
2ـ د.أحمد أبو الوفا ـ التحكيم بالقضاء وبالصلح ـ دار المطبوعات الجامعية ـ مصر2007
3ـ د.أحمد أبو الوفا ـ التعليق على نصوص قانون المرافعات ـ دار منشاة المعارف ـ الطبعة السادسة ـ الأسكندرية ـ مصر 1989
4ـ د.أحمد السيد الصاوي ـ الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ـ دار النهضة العربية ـ مصر2010
5ـ أحمد محمد عبد الصادق ـ المرجع العام في التحكيم المصري والعربي والدولي ـ طبعة نادي القضاة ـ مصر2014
6ـ د.رمضان أبو السعود & د.همام محمد زهران ـ المدخل إلى القانون ـ النظرية العامة للقاعدة القانونية ـ مطبعة جامعة الأسكندرية ـ مصر 1997
7ـ د.سميحة القليوبي ـ الأسس القانونية للتحكيم التجاري ـ دار النهضة العربية ـ مصر2017
8ـ د.سمير عبد السيد تناغو ـ مصادر الإلتزام ـ مكتبة الوفاء القانونية ـ مصر2009
9ـ د.عبد الرزاق السنهوري ـ الوسيط في شرح القانون المدني ـ الجزء الأول ـ دار منشأة المعارف ـ مصر2004
11ـ عمر بن علي بن أحمد الأنصاري ابن الملقن ـ تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج ـ دار حراء للنشر والتوزيع ـ السعودية 1406هـ
12ـ د.فتحي والي ـ الوسيط في قانون القضاء المدني ـ دار النهضة العربية ـ مصر2008
13ـ د.فتحي والي ـ قانون التحكيم في النظرية والتطبيق ـ دار منشاة المعارف ـ مصر2007
14ـ محمد شتا أبو سعد ـ التقنين المدني معلقاً عليه بمذكرته الإيضاحية وأعماله التحضيرية وأراء فقهاء الشراح ـ الجزء الأول ـ دار المطبوعات الجامعية ـ مصر1999
15ـ محمد كمال عبد العزيز ـ التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه ـ مصار الإلتزام ـ الطبعة الثالثة 2003 ـ ب د ن
16ـ د.محمود السيد التحيوي ـ الطبيعة القانونية لنظام التحكيم ـ دار منشأة المعارف ـ مصر 2003
17ـ د.محمود عمر محمود ـ التحكيم علماً وعملاً وفقاً لقوانين التحكيم بدول مجلس التعاون الخليجي ـ دراسة مقارنة ـ مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ـ دار القرار ـ الطبعة الأولى ـ البحرين 2020
ثانياً: الرسائل والاطروحات:
1ـ د.عبد العظيم بشندي ـ حماية الغير في قانون المرافعات ـ رسالة دكتوراة ـ جامعة القاهرة ـ سنة 1990
2ـ مها عبد الرحمن الخواجا ـ إمتداد أثر إتفاق التحكيم إلى الغير ـ دراسة في التشريع الأردني ـ رسالة ماجستيرـ كلية الحقوق ـ قسم القانون الخاص ـ جامعة الشرق الأوسط ـ 2012 / 2013
التشريعات الوطنية:
مرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1971 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية ـ الصادار بتاريخ 22/6/1971
مرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1996 بإصدار قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية ـ الصادر بتاريخ 26/5/1996
مرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2001 بإصدار القانون المدني البحريني ـ الصادر بتاريخ 3/5/2001
قانون رقم (9) لسنة 2015 بإصدار قانون التحكيم البحريني ـ الصادر بتاريخ 5/7/2015
المصادر الإلكترونية:
موقع المجلس الأعلى للقضاء بمملكة البحرين ـ https://www.sjc.bh/index_16.php ـ في 2/10/2020
موقع جريدة أخبار الخليج ـ http://akhbar-alkhaleej.com/news/articale/1074586 ـ في 2/10/2020
موقع هيئة التشريع والرأي القانوني ـ https://www.legalaffairs.gov.bh ـ في 2/10/2020
الفهرس
الموضوع | الصفحة |
ملخص البحث | 1 |
المقدمة | 3 |
مصطلحات البحث | 5 |
مشكلة البحث | 5 |
أهمية البحث | 6 |
أهداف البحث | 6 |
منهج ونطاق البحث | 6 |
خطة البحث | 7 |
المبحث الأول: نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث المحل الموضوعي | 8 |
المطلب الأول: الأساس العقدي لإتفاق التحكيم | 9 |
المطلب الثاني: نسبية الأثر الموضوعي لإتفاق التحكيم | 12 |
المبحث الثاني: نسبية أثر إتفاق التحكيم من حيث أشخاصه | 15 |
المطلب الأول: أثر إتفاق التحكيم على الخلف وعلى الغير | 16 |
صور إمتداد إتفاق التحكيم | 17 |
المطلب الثاني: الإدخال والتدخل في الدعوى التحكيمية | 19 |
الإتجاهات الفقهية والقضائية حول التدخل والإدخال بالدعوى التحكيمية | 19 |
هل يجوز الإدخال الصوري في الخصومة التحكيمية | 20 |
تنظيم التدخل والإدخال في التشريع البحريني والتشريعات المقارنة | 21 |
الخاتمة | 22 |
النتائج والتوصيات | 22 |
قائمة المصادر | 23 |
الفهرس | 25 |